1- مالكٌ خازنُ النار:
مِنْ جملةِ ما رءاه تلكَ الليلةَ مالكٌ خازنُ النارِ، ولم يضحكْ في
وَجْهِ رسولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم. فَسألَ جبريلَ لماذا لم
يَرَهُ ضاحكًا إليهِ كغيرِهِ. فقالَ: إن مالِكًا لم يَضْحَكْ
مُنْذُ خلقهُ اللهُ تعالى، ولو ضَحِكَ لأحدٍ لضَحِكَ إليكَ.
2- البيتُ المعمورُ:
ورأى في السماء السابعةِ البيتَ المعمورَ، وهو بيتٌ مُشَرَّفٌ، وهو
لأهْلِ السماءِ كالكعبةِ لأهلِ الأرضِ، كُلَّ يَومٍ يدخلُهُ سبعونَ
أَلْفَ مَلَكٍ يصلون فيهِ ثمَّ يخرجونَ ولا يَعُودُونَ أَبدًا.
والملائكةُ أجسامٌ نورانيةٌ ذوو أجنحة ليسوا ذكورًا ولا إناثًا، لا
يأكلونَ ولا يشربونَ، ولا يتناكحونَ، ولا يعصونَ اللهَ ما أمرَهُم
ويفعلونَ ما يؤمرون، وعددُهم لا يحصيهِ إلا اللهُ.
3- سدرةُ المنتهى:
وهي شجرةٌ عظيمةٌ بها من الحُسْنِ ما لا يَصِفُهُ أحدٌ مِنْ خَلْقِ
اللهِ، يَغْشَاها فَرَاشٌ(1) من ذَهَبٍ، وأصلُها في السماءِ
السادسةِ، وتصلُ إلى السابعةِ، ورءاها الرسولُ صلى الله عليه وسلم
في السماءِ السابعةِ.
4-
الجنةُ:
وهي فوقَ السموات السبعِ منفصلة عنها
فيها ما لا عينٌ رأتْ ولا أذن سَمِعَتْ ولا خَطَرَ على قلب بشرٍ
مما أعدهُ اللهُ للمسلمينَ الأتقياءِ خاصةً، ولغَيرِهِمْ مِمَّنْ
يدخلُ الجنةَ نعيمٌ يشتركون فيه معهم.
فقدْ أخْبَرَنا رسولُ اللهِ صلى الله
عليه وسلم عن حالِ أهلِ الجنةِ بعدَ دخولها قال: " يُنادي مُنادٍ
إنَّ لَكُمْ أن تَصِحُّوا فلا
تَسْقَمُوا أبدًا، وإنَّ لَكُمْ أن
تَحْيَوْا فلا تَمُوتُوا أبدًا، وإنَّ لكم أن تَشِبُّوا فلا
تَهرموا أبدًا، وإنَّ لَكُمْ أَن تَنْعَمُوا فلا تَبْأَسُوا أبدًا.
فذلكَ قولُه عزَّ وجَلَّ: ﴿وَنُودُواْ أَن تِلْكُمُ الْجنَّةُ
أُورِثْتُمُوهَا بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُون﴾ [سورة الأعراف/43](2)
رواهُ مسلم.
ورأى رسولُ اللهِ صلى الله عليه
وسلم في الجنةِ الحورَ العينِ فطلبَ منه سيّدُنا جبريلُ أن يسلّمَ
عليهنَّ بالقول فقلن له: نحن خيراتٌ حسانٌ، أزواجُ قومٍ كرامٍ.
ورأى فيها الولدانَ المخلدينَ وهم خلقٌ من خَلْقِ اللهِ ليسوا من
البَشَرِ ولا منَ الملائكةِ ولا منَ الجنّ، اللهُ تعالى خَلَقهُم
مِنْ غيرِ أمّ وأبٍ كاللؤلؤِ المنثورِ ليخدِمُوا أهلَ الجنةِ،
والواحدُ من أهلِ الجنةِ أَقلُّ ما يكونُ عنده من هؤلاءِ الولدانِ
عَشرَةُ ءالافٍ بإحدى يديْ كلّ منهم صحيفةٌ من ذهبٍ وبالأخرى
صحيفةٌ مِنْ فضةٍ.
5-
العرشُ:
ثم رأى العرشَ وهو أعظمُ المخلوقات، وحولَهُ ملائكةٌ لا يعلمُ
عدَدَهُمْ إلا اللهُ.
وله قوائمُ كقوائِمِ السريرِ يحملُهُ أربعةٌ مِنْ أعظمِ الملائكةِ،
ويومَ القيامةِ يكونونَ ثمانيةً. وقد وصف الرسولُ أحدَهُمْ بأنَّ
ما بينَ شَحْمةِ أذنِهِ إلى عاتِقِهِ مسيرةُ سبعِمائةِ عامٍ
بِخَفَقَانِ الطيرِ المُسرعِ، والكرسيُّ بالنسبةِ للعرشِ كَحَلقَةٍ
في أرضٍ فلاةٍ.
قال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: "ما السموات السبعُ في جَنْبِ
الكرسيّ إلا كَحَلقَةٍ في أرضٍ فلاةٍ، وفَضْلُ العرشِ على الكرسيّ
كَفَضْلِ الفلاةِ على الحَلقَةِ".
والعرش أولُ المخلوقات بعدَ الماءِ، ثم القلمُ الأعلى، ثم اللوحُ
المحفوظُ، ثم بعد أن كتبَ القلمُ على اللوحِ ما يَكونُ إلى يَومِ
القيامةِ بخمسينَ ألفَ سنةٍ خلق اللهُ السموات والأرضَ.
فلا يجوز أن يقال إن أول خلق الله نور محمد، أما حديث: "أول ما خلق
الله نور نبيك يا جابر"، فهو حديث موضوع مكذوب مخالف للقرءان
والحديث الصحيح والإجماع. وفيه ركاكة والركاكة من علامات الوضع عند
علماء الحديث.
قال الإمام عليٌّ رضي اللهُ عنه :"إنَّ اللهَ خلقَ العرشَ إظهارًا
لقدرتِهِ ولم يتخذْهُ مكانًا لذاتِهِ". رواه أبو منصور البغداديُّ.
فيكفرُ من يَعتقدُ أن اللهَ تعالى جالسٌ على العرشِ لأنه عَزَّ
وجلَّ ليسَ كمثلِهِ شىءٌ، ولأنهُ سبحانَهُ وتعالى موجودٌ بلا
مكانٍ.
وما أبشع فرية الوهابية الذين يقولون إن الله جالس على العرش ثم
يقولون ولكن ليس كجلوسنا فأين عقولهم كيف يجلس الله على شىء خلقه؟
ثم الجلوس كيفما كان هو من صفات الخلق إذ يحتاج لجالس ومجلوس عليه
وكيف يحتاج الخالق لشىء من خلقه، ثم الجالس له نصف أعلى ونصف أسفل
وهذا مركب والمركب مخلوق فيستحيل الجلوس على الله تعالى كيفما كان.
6
- وصولُهُ صلى الله عليه وسلم إلى مستوًى يسمعُ فيهِ صريفَ
الأقلامِ:
ثم انفردَ رسولُ اللهِ عنْ جبريلَ
بعدَ سدرةِ المنتهى حتى وصلَ إلى مستوًى يسمعُ فيه صريفَ الأقلامِ
التي تَنْسَخُ بها الملائكةُ في صُحُفِها منَ اللوحِ المحفوظِ.
وأما ما يقال
إن الرسول وصل وجبريل إلى مكان فقال جبريل: جُز فأنا إن اخترقت
احترقت وأنت إن اخترقت وصلت فهذا ونحوه كذب وباطل.
7
- سماعُهُ صلى الله عليه وسلم كلامَ اللهِ تعالى الذاتيَّ الأزليَّ
الأبديّ:
من المعلوم لدى أهلِ الحقّ أَن كلامَ اللهِ الذي هو صفة ذاته قديم
أزلي لا ابتداء له، ليسَ ككلامِنا الذي يُبدأُ ثم يُختَمُ، فكلامه
تعالى أزليٌّ ليس بصوتٍ ولا حَرْفٍ ولا لغةٍ. لأن اللغات والحروف
والأصوات مخلوقة ولا يجوز على الله أن يتصف بصفة مخلوقة.
فلذلك نعتقدُ أن سَيّدنا محمدًا سمعَ كلامَ اللهِ الذاتيَّ
الأزليَّ بغيرِ صوتٍ ولا حرفٍ ولا حلولٍ في الأذن.
ففي تلكَ الليلةِ المباركةِ أزالَ اللهُ عن أفضلِ خلقِهِ الحجابَ
الذي يمنعُ مِنْ سماعِ كلامِ اللهِ الأزليّ الأبديّ الذي ليسَ
ككلامِ العالمينَ. وفهم الرسول منه الأوامر التي أمر بها والأمور
التي بلّغها.
أسمَعَهُ اللهُ بقدرتِهِ كلامَهُ في ذلكَ المكان الذي فوقَ سدرةِ
المنتهى، لأنه مكانُ عبادةِ الملائكةِ للهِ تعالى، وهو مكانٌ لم
يُعْصَ اللهُ فيهِ، وليسَ مكانًا ينتهي إليه وجودُ اللهِ كما في
بعضِ الكتبِ المزيفةِ لأن اللهَ موجودٌ بلا مكانٍ.
ماذا فَهم رسولُ الله صلى الله عليه وسلم مِنْ كلامِ اللهِ
الذاتيّ:
فهمَ رسُول الله صلى الله عليه وسلم مِنْ كلامِ اللهِ الذاتيّ
فرضيةَ الصلواتِ الخمسِ. وفهم أيضًا أنه يُغْفَرُ لأمتِهِ كبَائرُ
الذنوبِ لمنْ شاءَ اللهُ لَهُ ذلكَ.
أما الكافرُ فلا يُغْفَرُ له مهما كانتْ معاملتُهُ للناسِ حسنةً،
ولا يرحمُه اللهُ بعدَ الموتِ ولا يدخِلُهُ الجنةَ أبدًا إن ماتَ
على كفرِهِ. قال تعالى: ﴿إِنَّ اللهَ لاَ يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ
بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَن يَشَآء﴾ [سورة النساء].
وفهمَ أيضًا من كلامِ اللهِ الأزليّ الأبديّ أنّ مَنْ عَمِلَ
حَسنةً واحدةً كُتِبَتْ له بعشرةِ أمثالِها، ومن هَمَّ بحسنةٍ ولم
يَعْمَلْها كُتِبَتْ لهُ حَسنةً، ومن هَمّ بسيئةٍ وعَمِلَها
كُتِبَتْ عليهِ سيئةً واحدةً.
8- رؤيتُهُ صلى الله
عليه وسلم لله عزَّ وجلَّ بفؤادِهِ لا بعينِهِ:
ومما أكرمَ اللهُ به نبيَّهُ في
المعراجِ أن أزالَ عن قلبِهِ صلى الله عليه وسلم الحجابَ
المعنويَّ، فرأى اللهَ بفؤادِهِ، أي جَعَلَ اللهُ لَهُ قوةَ
الرؤيةِ في قلبِهِ لا بعينِهِ لأن اللهَ لا يُرى بالعينِ الفانيةِ
في الدنيا، فَقَدْ قَالَ الرسولُ صلى الله عليه وسلم: "واعلمُوا
أنكم لن تَرَوْا ربَّكمْ حتى تمُوتُوا". وإنما يُرى اللهُ في
الآخرةِ بالعينِ الباقيةِ، يراه المؤمنونَ الذين ءامنوا باللهِ
ورُسُلِهِ، لا يشبِهُ شيئًا من الأشياء، بلا مكانٍ ولا جهةٍ ولا
مقابلةٍ ولا ثبوتِ مسافةٍ ولا اتصالِ شُعَاعٍ بين الرائي وبينَهُ
عزَّ وجلَّ. يرى المؤمنون اللهَ عزَّ وجلَّ لا كما يُرى المخلوق.
فقد روى البخاريُّ وغيْرُهُ عن رسولِ الله صلى الله عليه وسلم
قالَ: "أما إنكم ترونَ رَبَّكُمْ يومَ القيامةِ كما ترونَ القمرَ
ليلةَ البدرِ لا تضامُّونَ في رؤيتِهِ". أي لا تشكُّون أن الذي
تَرَوْنَ هو اللهُ كما لا تشكونَ في قمرِ ليلةِ البدرِ، ولا يعني
أن بينَ اللهِ تعالى وبينَ القمرِ مشابهةٌ. قال تعالى: ﴿ وُجُوهٌ
يَوْمَئِذٍ نَّاضِرَةٌ * إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ ﴾ [سورة
القيامة/23.22]. أما الكفارُ فلا يرونَ اللهَ في الدنيا ولا في
الآخرةِ وهم مخلدونَ في نارِ جهنمَ. قال تعالى: ﴿ كَلاَّ إِنِّهُمْ
عَن رَبِّــهِمْ يَوْمَئِذٍ لَّمَحْجُوبُونَ﴾ [سورة المطففين/15].
والدليلُ على أن الرسولَ رأى ربَّهُ
بفؤادِهِ مرتينِ في المعراجِ ما أخرجه مسلمٌ عنِ ابنِ عباسٍ رضيَ
الله عنه في قولِهِ تعالى ﴿مَا كَذَبَ الْفُؤَادُ مَا رَأَى﴾ [سورة
النجم/11] ﴿ وَلَقَدْ رَءاهُ نَزْلَةً أُخْرَى﴾ [سورة النجم/13]
قال: رءاهُ بفؤادِهِ مرتينِ.
وبهذِهِ المناسَبةِ تجدرُ الإشارةُ
إلى أنهُ لم يحصلْ للنبيّ أن رأى ربَّهُ وكلمَهُ في ءانٍ واحدٍ بل
كانت الرؤيةُ في حالٍ وسماعُ كلامِهِ في حالٍ. قالَ اللهُ تباركَ
وتعالى: ﴿وَمَا كَانَ لِبَشَرٍ أَن يُكَلِّمَهُ اللهُ إِلاَّ
وَحْيًا أَوْ مِن وَرَاء حِجَابٍ أَوْ يُرْسِلَ رَسُولاً﴾ [سورة
الشورى/51].
9- رؤيتُهُ صلى الله عليه وسلم لسيدِنا جبريلَ عليهِ السلامُ على
هيئتِهِ الأصليةِ:
كان صلى الله عليه وسلم قَدْ رَأى جِبريلَ عليه السلامُ في المرةِ
الأولى في مكةَ على هيئتِهِ الأصليةِ، فَغُشيَ عليهِ، أمَّا في
هذِهِ الليلةِ المباركةِ فقدْ رءاه للمرةِ الثانيةِ على هيئتِهِ
الأصليةِ فلمْ يُغْشَ عليهِ إذْ إنَّهُ ازدادَ تَمَكُّنًا وقُوّةً.
فقد روى مسلمٌ عنْ عائشةَ رضيَ اللهُ عنها في قوله تعالى: ﴿ثُمَّ
دَنَا فَتَدَلَّى * فَكَانَ قَابَ قَوْسَيْنِ أَوْ أَدْنَى﴾ [سورة
النجم/9.8]. قالت: إنما ذاكَ جبريلُ كانَ يأتيهِ، وإنهُ أتاهُ في
هذهِ المرةِ في صورتِهِ التي هي هيأتُهُ الأصليةُ فَسَدَّ أُفُقَ
السماءِ.
وليسَ معنى هاتينِ الآيتينِ: ﴿ثُمَّ دَنَا فَتَدَلَّى * فَكَانَ
قَابَ قَوْسَيْنِ أَوْ أَدْنَى﴾ [سورة النجم/9.8]. أن الله دنا منَ
الرسولِ حتى قربَ منهُ بالمسافةِ قَدْر ذراعينِ أو أقلَّ، والذي
يعتقدُ هذا يضِلُّ ويكفر. أما المعنى الصحيحُ فهو أنَّ جبريل دنا
منْ سيدِنا محمدٍ صلى الله عليه وسلم (فَتَدَلَّى) أي جبريلُ في
دنوِهِ مِنْ سيدِنا محمدٍ صلى الله عليه وسلم (فَكَانَ قَابَ
قَوْسَيْنِ) أي ذراعين(أَوْ أَدْنَى) أي بلْ أقربَ. وهناكَ ظَهَرَ
له بهيأتِهِ الأصليةِ وله سِتُّمائةِ جناحٍ، وكلُّ جناحٍ يَسُدُّ
ما بين الأرضِ والسماءِ.
روى مسلمٌ عن الشَعْبِيّ عَن مَسْرُوقٍ قال: كنتُ مُتَّكِئًا عندَ
عائشةَ فقالتْ: يا أبا عائشةَ ثلاثٌ مَنْ تكلمَ بواحدةٍ مِنهنَّ
فقد أَعْظَمَ على اللهِ الفِريَةَ قلتُ: مَا هُنَّ؟ قالت: مَنْ
زَعَمَ أن محمدًا صلى الله عليه وسلم رأى ربَّهُ فقدْ أعظمَ على
اللهِ الفِرْيَةَ. قال وكنتُ متكئًا فجلستُ فقلتُ: يا أمَّ
المؤمنينَ أَنْظِرِيني ولا تَعْجَليني، ألم يَقُلِ اللهُ عزَّ
وجلَّ: (وَلَقَدْ رَءاهُ بِالأُفُقِ الْمُبِينِ) (وَلَقَدْ رَءاهُ
نَزْلَةً أُخْرَى). فقالت: أنا أوّلُ هذهِ الأمةِ سألَ عَنْ ذلكَ
رسولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم فقالَ: "إنما هو جبريلُ لَمْ
أَرَهُ على صورتِهِ التي خُلِقَ عليها غيرَ هاتينِ المرتينِ،
رأيتُهُ مُنْهَبِطًا مِنَ السماءِ سَادًّا عِظَمُ خَلْقِهِ ما بينَ
السماءِ والأرضِ". فقالت: أَوَلَمْ تَسْمَعْ أَنَّ اللهَ يَقولُ:
﴿لاَّ تُدْرِكُهُ الأَبْصَارُ وَهُوَ يُدْرِكُ الأَبْصَارَ وَهُوَ
اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ﴾ [سورة الأنعام] أوَ لَمْ تَسمعْ أَنَّ الله
يقولُ: ﴿وَمَا كَانَ لِبَشَرٍ أَن يُكَلِّمَهُ اللهُ إِلاَّ
وَحْيًا أَوْ مِن وَرَاء حِجَابٍ أَوْ يُرْسِلَ رَسُولاً فَيُوحِيَ
بِإِذْنِهِ مَا يَشَاء إِنِّهُ عَلِيٌّ حَكِيمٌ﴾ [سورة الشورى/51].
قالت: ومَنْ زَعَمَ أَنَّ رسولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم كَتَمَ
شيئًا من كتابِ اللهِ فقدْ أعظَمَ على اللهِ الفِرْيَةَ، واللهُ
يقولُ: ﴿يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن
رَّبِّكَ وَإِن لَّمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ﴾ [سورة
المائدة/67]. قالت: وَمَنْ زَعمَ أنهُ يُخْبِرُ بما يكونُ في غَدٍ
فقدْ أعظمَ على اللهِ الفِرْيَةَ. واللهُ يقولُ: ﴿قُل لا يَعْلَمُ
مَن فِي السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ الْغَيْبَ إِلاَّ اللهُ﴾ [سورة
النمل/65].
أي لا يعلم الغيب كلّه إلا الله، وهذا فيه ردٌّ على القائلين أن
الرسول يعلم كل ما يعلمه الله، وهؤلاء ساووا الرسول بالله عزَّ
وجلَّ، والله تعالى لا يساويه أحد من خلقه في صفة من صفاته فهو
وحده العالِم بكل شىء والقادر على كل شىء لا يشاركه في ذلك ولا في
سائر صفاته أحد من خلقه كائنًا من كان. وقد قال الرسول صلى الله
عليه وسلم: "لا ترفعوني فوق منزلتي".